كلمته في لقائه أساتذة الجامعات في شهر رمضان المبارك عام 1428 هـ ق
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً نرحّب بجميع الإخوة و الأخوات، و نشكر الأصدقاء الأعزاء الذين تفضلوا بالوقوف هنا و الإعراب عن آرائهم و تصوّراتهم حول شتى القضايا و المجالات. كما نشكر الدكتور السيد لاريجاني الذي أدار الجلسة بشكل جيد.
مع أنني قلت مراراً في هذه الجلسة - ما شابهها من الجلسات في الأعوام الماضية - إن فيها طابعاً رمزياً، بمعنى أننا نروم أن يكون هذا اللقاء السنوي تجسيداً لاحترام النظام الإسلامي لأساتذة الجامعات و الجامعيين و الباحثين و المحققين في البلاد، و لكن يجب أن لا نتصوّر أبداً أن لهذه الجلسة طابعاً استعراضياً. بل على العكس، المتوقّع هو أن يكون طرح الآراء و الموضوعات المختلفة في هذه الجلسة مما يستطيع توجيه و هداية منظومة أصحاب القرار - من وزراء و مسؤولين و نحن هنا أيضاً - لما فيه صلاح العمل العلمي و الجامعي و التقدم في هذا المضمار. و لهذا قلتُ إنني أرغب أن استمع. المفترض هو أن الأستاذ المحترم الذي يريد أن يتحدث هنا سبق أن بحث و خطرت بباله نقطة جديرة بالطرح عن مجموع الوضع العام للعلوم و الجامعات في البلاد، و ها هو يطرحها هنا. هذا ما نتوقعه من هذه الجلسة. و بالطبع فقد ذُكرت نقاط و أمور جيدة.
لماذا نُبدي كل هذا الاهتمام و التحفّز تجاه قضايا الجامعات و العلوم و البحوث؟ لأننا متأخّرون.. فرضوا علينا التأخّر. و لأن تقدمنا و عزتنا و هويتنا الوطنية و الإسلامية منوطة كلها بأن نعمل جدّياً في هذا الجانب. هذا هو السبب. إننا نختلف عن البلد الفلاني الذي لا يتمتع مثلاً إلّا بسابقة قصيرة من التحضّر. ثمة بلدان في منطقتنا لا يعود وجودها كله كبلد حتى لمائة سنة، بل لم تكن مثل هذه الهوية الجغرافية بهذا المعنى و بهذا الأسم قبل مائة سنة. هناك شعوب في منطقتنا هذه ليس لها أية سابقة تذكر في التاريخ. و ثمة مثل هذه الحالة في مناطق أخرى من العالم. هناك مثل هذه البلدان في أمريكا اللاتينية و أوربا و مناطق أخرى من العالم. لكن بلادنا و شعبنا بلاد لها جذورها.. لنا جذورنا في التاريخ، و لنا سوابقنا، و لم ننبت توّاً أو حديثاً، بل يمكن لنا أن نتموّن من ماضينا و يجب أن نتموّن. حين تنظرون لوتيرة النمو العلمي بعد الإسلام إلى القرون الخامس و السادس و السابع للهجرة، لو كنا تقدمنا على نفس الوتيرة لكنا الآن في القمّة. لكننا لم نتقدم بنفس الوتيرة و السياق. لماذا لم نتقدم؟ هذا سؤال جدير بالدراسة و التحليل.. فالحكومات كانت غير لائقة، و الهمم كانت قصيرة، و بعد ذلك طوال القرنين أو الثلاثة الأخيرة تدخّلت العوامل الخارجية، و بالتالي تكوّن هذا الواقع، ألا و هو أننا لم نتحرّك، بل هبطنا نحو الحضيض.
و الآن نريد التلافي و التعويض. الحكومة الآن حكومة لائقة و كفوءة و الشعب شعب يقظ، و النخبة نخبة تعمل في الساحة و تديرها، و نريد الآن التعويض. طيّب.. تارة نضع في جيوبنا ميثاق الأفق العشريني كوثيقة فخر و اعتزاز، و أحياناً نرفعها فوق رؤوسنا، و تارة نعتبر ميثاق الأفق العشريني ورقة عمل و خارطة طريق نجد لكل جزء منها طرائق و أساليب عملية. إذا أردنا أن نكون ملهمين لغيرنا، و نغدو مرجعاً علمياً في المنطقة، فلهذا الأمر أساليبه و سبله. يجب أن لا نعيّن الأسلوب و الطريق في ميثاق الأفق العشريني، إنما المسؤولون التنفيذيون يجب أن يحدّدوا هذا الشيء.. هذا هو ما نصرّ عليه. ما نريده هو قيام هذه الأمور و الأعمال في مجالات العلوم و البحوث على نحو صحيح و جيد و كامل. هذا هو سبب هذا الاهتمام و التحفّز.
و ثمة في هذا النطاق طبعاً كلام و توصيات عادة ما نذكرها في مثل هذه الجلسات، و سوف أذكر اليوم أيضاً بعض النقاط:
النقطة الأولى حول الخارطة العلمية الشاملة. و قد سجّلت هذه النقطة عندي لأذكرها هنا، و لحسن الحظ وجدت أن ثلاثة أو أربعة من المتحدثين اليوم هنا أشاروا ضمن كلماتهم إلى قضية الخارطة العلمية الشاملة، و قدّم الدكتور السيد لاريجاني أيضاحاً ينمّ عن وجود جهود ترمي إلى إعداد هذه الخارطة العلمية الشاملة و تقديمها لتكون ورقة عمل للبرامج العلمية المستقبلية. هذه بشارة جيدة، لكنني لم يكن لي مثل هذه المعلومة إلى ما قبل سماعها منه. ما أعلمه هو أنهم يقومون بهذا الأمر في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، أي إن الموضوع مطروح في لجان، بيد أن المتوقع، و ما نعتقد أنه يجب أن يتمّ و يحصل هو أن لا يتأخّر هذا الأمر و لا يتأجّل، و أن لا ننتظر سنة أو سنتين حتى يتمّ بالتالي إعداد خارطة علمية شاملة، لا.. يجب على الواعين و النخبة و المميّزين و بمبادرة من المجلس الأعلى للثورة الثقافية أن يجتمعوا و ينهوا هذه المهمّة و تكون نتيجة عملهم شيئاً ناضجاً كاملاً ليمكن على أساسه البرمجة العلمية للجامعات و لمستقبل البلاد. هذا ما أوصي به هنا الوزراء المحترمين و المسؤولين المحترمين في المجلس الأعلى للثورة الثقافية ممن حضر هنا، و أؤكد عليهم متابعة هذه القضية.
إذا أردنا تحقيق ميثاق الأفق العشريني، و تحقيق تلك المرجعية العلمية المرجوّة للبلاد، فنحن مضطرون للقيام بهذه الأعمال و أهمّها إعداد الخارطة العلمية الشاملة للبلاد. و هذا معناه خطوة مهمّة و بوابة كبيرة نحو تنفيذ و تحقيق الأهداف و الشعارات المطروحة، و التي تحوّلت في الوقت الراهن و الحمد لله لخطاب في الأجواء و المناخات العلمية.
النقطة الأخرى المتعلقة بالأساتذة المحترمين هي أن إحدى اهتمامات الأساتذة يجب أن تكون تربية الطلاب و إعدادهم إعداداً حقيقياً. قيمة الأستاذ و اعتباره في الخارج هو بتلاميذه و طلابه. و كذا الحال في حوزاتنا العلمية. الأستاذ و الفقيه و الأصولي و الحكيم صاحب الاعتبار و الأهمية الأكبر في الأنظار هو الذي تظهر آثاره على شكل طلاب و تلامذة مبرّزين تخرّجوا على يديه. إعدوا الطلاب و خرّجوهم. الأفراد الذين يحضرون صفوفكم الدراسية - سواء في مراحل البكلوريوس أو مراحل الدراسات العليا - و تتعاملون معهم كأساتذة يجب أن لا تنظروا لهم كمستمعين لخطابات أو منابر، لا.. يجب أن تتعاملوا معهم مثل نتاج تريدون أن تصنعوه بأيديكم. و بالطبع فإن المواهب و القابليات ليست متساوية، و التشوّق و الاندفاع ليس بدرجة واحدة، و الأرضيات و المناخات ليست متكافئة، لكن هذا الهدف في رأيي يجب أن يكون هدفاً جدّياً لدى الأساتذة. انظروا كم من الطلاب خرّجتم. و الطالب ليس مجرد الشخص الذي يحضر صفوفكم، بل هو الشخص الذي تصنعونه و تقدمونه لعالم العلم كطاقة علمية كفوءة.
و هنا أشير إلى مسألة حضور الأساتذة في الجامعات و التي أضحت من مقررات الجامعات، حيث يجب أن يحضر الأساتذة لساعات معينة في الأسبوع في الجامعات. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية، و يجب عدم الاستهانة به. من الأمور التي ذكرتها مراراً و تكراراً خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة الأخيرة - و من كثرة ما تكرّرت لم أشأ ذكرها مرة أخرى - هو قضية اجتماع الأستاذ بالطالب و مجالسته له، و الإجابة عن أسئلته. أي أنْ لا تقتصر علاقة الأستاذ و الطالب على الصف، و يكون للطالب فرصة مراجعة الأستاذ و السؤال منه و استيضاحه و التعلم منه أكثر، بل في بعض الأحيان قد يطلب الأستاذ الطالب إلى غرفته و يفهمه نقطة إضافية أو تكميلية، أو يطلب منه واجباً و يكلفه بمأمورية علمية أو بحثية، و كل هذا منوط بحضور الأساتذة في الجامعات. ذات يوم كنا نقول إن عدد الأساتذة عندنا قليل و لدينا شحّة أساتذة، و اليوم و الحمد لله ليسوا قلائل الأساتذة الجيّدون في البلاد، و عدد الأساتذة بالنسبة للطلاب جيد و مقبول و الحمد لله. ينبغي في رأيي الاهتمام بهذا الجانب. تربية الطلبة و إعدادهم في صفوف الدراسة جزء منه منوط بهذا التواجد لعدة ساعات - أربعون ساعة كما هو في المقرّرات و الضوابط - من قبل الأساتذة في الجامعات. بمعنى أن على الأساتذة أخذ هذه المسألة بجدّ، و الاهتمام بها.
و نقطة أخرى - و هي طبعاً مكرّرة لكنني أذكرها هنا لشدة أهميتها - تتعلق بالتحقيق و البحث العلمي. و هذا ما أوصينا به رجال الحكومة في اجتماعنا بهم، كما أوصينا به المسؤولين في الجلسات و الاجتماعات الخاصة، و من ذلك أننا قلناه لرئيس الجمهورية، على أن جانباً آخر من القضية يتعلق بالجامعات نفسها إذ عليها أن تستقطب الاعتمادات المتعلقة بالبحث العلمي بصورة صحيحة، و تنفقها بصورة صحيحة، و تستخدمها في محلها، لأن البحث العلمي هو المصدر المموِّن للتعليم. إذا لم ننظر للبحث العلمي بجدّ وجب علينا البقاء لأعوام طويلة أخرى نستمدّ من المصادر الخارجية و ننتظر أن يقوم شخص في طرف من أطراف العالم ببحث علمي لننتفع نحن منه أو من الأعمال المنشورة على أساس بحوثه و ما توصل إليه، و ندرّسها هنا. ليس هذا من الصواب.. هذه تبعية، و هذه هي نزعة الترجمة و عدم الاستقلال في الشخصية العلمية بالنسبة للبلد و بالنسبة لجامعات البلد. جامعات البلاد و البيئة العلمية في البلاد إلى جانب حفاظها على العلاقات العلمية مع العالم، لا تتحرّج أبداً من التبادل العلمي و الأخذ و الاستقاء العلمي. قلتُ مراراً إننا لا نشعر بالعار من التتلمذ و طلب العلم.. إذا كان هناك أستاذ فإننا نتتلمذ على يديه، لكننا نشعر بالعار من أن نبقى تلاميذ دائماً و في كل المجالات.. هذا غير ممكن. إنها منقصة بالنسبة لمنظومة علمية أن تكون ضعيفة في التحقيق و البحث العلمي الذي يُعدّ مصدر النماء العلمي. إنما يجب أن تستطيع الاعتماد على نفسها من الناحية العلمية. و طبعاً لها أن تستفيد من الآخرين، و يكون لها تبادلها و تعاطيها مع الآخرين، و عندئذ ستكتسب مكانتها اللائقة في التبادلات العلمية في العالم. حين تكون هذه المنظومة معتمدة على علومها و بحوثها العلمية و أدائها العلمي، فإن هذا سيترك تأثيراته في العالم و في حالات التواصل و التبادل العلمي.. كان هذا تأكيداً مرة أخرى على أهمية البحث العلمي.
و لأن الأصدقاء الأعزاء من مؤسسة ممثلية القيادة حاضرون هنا، أذكر لهم نقطة تتعلق بهم:
السادة الذين يُعرفون في الجامعات كرجال دين تحت عنوان مكاتب ممثليات [الولي الفقيه] يجب أن يعتبروا أنفسهم المسؤولين الأصليين و النهائيين عن الارتقاء الديني في الجامعات. لقد أوصينا إدارات الجامعات و المجلس الأعلى للثورة الثقافية دوماً بأن عليهم مسؤوليات و واجبات في خصوص أسلمة الجامعات و الأجواء الجامعية و جعلها أجواء دينية. هذه أمور محفوظة في محلها، و لكن إذا توفرت كل التمهيدات اللازمة، لكن رجل الدين المتواجد في الجامعة لم يكن مصدراً و مرجعاً للفكر الديني العميق و الأصيل و المبرهن و المثير للإعجاب و المُقنع من وجهة نظر الطلبة الجامعيين، فإن كل تلك التمهيدات و المقدمات ستبقى عديمة الفائدة. يجب أن تعرضوا في البيئات الجامعية الأفكار الدينية الجديدة بشكل متواصل و مبرهن، و ترفعوا من مستوى الفكر الديني لدى الطلبة الجامعيين. و لا تعتبروا الطلبة الجامعيين المتدينين و المؤمنين و الحزب اللهيين هم مخاطبيكم و المتلقين منكم و حسب. هؤلاء أيضاً من مخاطبيكم بالطبع. متلقّوكم هم كل الكيان الجامعي و كافة الطلبة الجامعيين في البلاد. حتى الذين قد لا تربطهم أواصر قلبية قويّة بالدين هؤلاء أيضاً من متلقيكم، هؤلاء أيضاً يجب أن تستقطبوهم و تجتذبوا قلوبهم بالمنطق القويّ و الثقة بالنفس و الاعتماد على هذا المنطقة القويّ، من أجل تقليل حالات العناد، أو محوها في الكثير من الحالات.
هذا المثال الذي أشرتم له.. مثال جامعة كولومبيا مثال جيد. للإنصاف إنّ هذا المنطق القوي و السيطرة على النفس - أي الروح و المعنويات الجيدة و الثقة بالنفس - و الاعتماد على هذا المنطق قد فعل فعله. و طبعاً من الواضح أنه كانت هناك تمهيدات و مقدمات من قبيل أن يأتوا بأكثر من عشرين قناة تلفزيونية أمريكية و أوربية لتبثّ المراسم بصورة مباشرة، و بتلك الفعلة التي فعلوها، و ذلك السلوك الذي قام به للأسف رئيس تلك الجامعة، و الذي كان للحق و الإنصاف سلوكاً غير مناسب و لا يليق بشخصية جامعية، بل لا يليق حتى بإنسان شريف. و بالتالي كان من الواضح أنهم أعدّوا تمهيدات من أجل أن يثيروا غضب و خجل الطرف المقابل و يفرضوا عليه الانفعال ليستخدموا ذلك دوماً كوثيقة حيّة في ضجيجهم الإعلامي و السياسي، لكن الله سبحانه و تعالى عكس مرامهم هذا، و حصل العكس تماماً لما أرادوه و الحمد لله، و لاحظتم أنهم أيّدوا و صدّقوا. ما أعتقده هو أن هذه المسألة لن تزول بسرعة عن الأوساط الجامعية في ذلك البلد، بل سوف تستمر باعتبارها سؤالاً و قضية و استفهاماً حول حقيقة المسألة.
لقد طُرح منطق الجمهورية الإسلامية هناك.. و طرح منطق الدين.. و طرح نقاش جيد حول نظرة الإسلام و الدين للعلم و كون العلم نوراً و أن نبراس العلم بيد الله.. هذه موضوعات جيدة. يخطئ من يتصوّر أنه حين يكون في البيئات الأجنبية - الأوربية أو الأمريكية - فعليه تكرار كلامهم - الذي يطرحونه منذ مائة أو مائتي عام و إلى اليوم - و يعيده عليهم.. ليس هذا بالكلام المطلوب هناك، فالإسلام له كلامه و رسالته و أفكاره.
للحق و الإنصاف ثمة في الوقت الحاضر فراغ و استفهام في عالم الفكر - و لا شأن لنا بمن لا شأن لهم بعالم الفكر و المعرفة - في الغرب. و لم تعد إجابات الليبرالية الديمقراطية بقادرة على ملء هذا الفراغ، كما لم تستطع الاشتراكية ردم هذه الهوّة. إنما المنطق الإنساني و المعنوي هو القادر على ملء هذا الفراغ، و هذا ما يمتلكه الإسلام. يروي أحد أصدقائنا عن المرحوم الدكتور زرياب، و الذي كان جامعياً متمكناً جيداً و طالب علوم دينية جيداً في الوقت نفسه - فقد أمضى دورة جيدة في طلب العلوم الدينية و تعرّف على العلوم الإسلامية و كان تلميذاً للإمام الخميني - يروي عنه أحد أصدقائنا و لم أسمعها منه مباشرة إنه حصل على منحة بحثية في أواخر عمره و قصد إلى أوربا، و بعد أن عاد إلى الوطن قال إن ما شاهدته في الأجواء العلمية الجامعية الأوربية في الوقت الحاضر يحتاج إلى أمثال المُلّا صدرا و الشيخ مرتضى الأنصاري. و الشيخ الأنصاري مختصّ بالحقوق و الفقه، و المُلّا صدرا كان مختصاً بالحكمة الإلهية. يقول إنني أجدهم اليوم متعطشين للملا صدرا و الشيخ مرتضى الأنصاري. هذه تصوّر أستاذ عالم بالغرب و اللغات و متمكن من عدة لغات غربية و قد عاش هناك سنين طوالاً و درس، و هو عارف أيضاً بالعلوم الإسلامية. هذا هو تصوّره و هو تصوّر صحيح.
إننا بحاجة لهذه المنطق القوي في عصرنا و في جامعاتنا. يجب تنمية هذا المنطق بلغة جامعية. بعض الأساتذة المحترمين الذين تحدثوا هنا أشاروا إلى أن أساتذتنا الأعزاء أيضاً بحاجة لهذه المسائل و الأمور. الأساتذة أيضاً لا يعتبروا أنفسهم في غنى عن التعرّف على المعارف الدينية. قبل سنوات ذكر لي أحد الباحثين و الكتّاب الذين يكتبون في الشؤون و القضايا الإسلامية، و تُترجم كتبه لمختلف اللغات و لها الكثير من القرّاء في أوربا و مناطق أخرى، و نحن على علم بذلك - و لا أريد ذكر الأسماء الآن - ذكر لي أنه عندما يزور البلدان العربية بما في ذلك بلدان الخليج الفارسي، يجد المثقفين و أساتذة الجامعات هناك على معرفة بالقرآن الكريم و الحديث الشريف أكثر من مثقفينا و أساتذتنا. ذكر لي هذا الباحث هذه الفكرة قبل نحو عشرة أعوام. و طبعاً السبب هو أن لغتهم لغة القرآن الكريم، و الأمر كما لو أنكم تحفظون مثلاً سائراً من شعر سعدي الشيرازي أو أبي القاسم الفردوسي أو حافظ الشيرازي، فقد قرأتم كتبهم و أشعارهم و هي بلغتكم و بقيت أقوالهم في أذهانكم، و ترون أن هؤلاء المتحدثين المحترمين بدأ بعضهم كلماته بالشعر و الأدب. و أولئك أيضاً لأن لغتهم لغة القرآن الكريم - و من حسن حظهم أن لغة القرآن الكريم هي نفسها لغتهم - فهم يفهمون هذه اللغة بسهولة، و بذلك تراهم على معرفة بالمعارف و الآيات القرآنية. و كذا الحال بالنسبة لشخصياتهم السياسية التي شاهدناها.. شخصياتهم السياسية حين يأتون إلى هنا - حتى لو كانوا فسقة فجرة بعيدين عن المعنويات - تراهم يعرفون بعض الآيات القرآنية و بعض الأمور و النصوص الدينية، و يحفظونها في أذهانهم. هذا نقص يجب أن نتلافاه. و طبعاً تلافيه الأساسي و الشامل يحتاج إلى خطط و برامج خاصة، لكن الأمر اللازم بالنسبة للأساتذة - الذين قضوا عمراً في بذل الجهود العلمية - كشيء فوري هو التعرّف على القضايا و المعارف الإسلامية. ليبرمجوا و يضعوا الخطط لهذا الأمر بشكل جاد، سواء أساتذة الجامعات أنفسهم أو السادة الذين يعملون في الجامعات.
على كل حال يجب أخذ قضية رفع مستوى الفكر الديني في الجامعات مأخذ الجدّ، و أن تراقبوا و تحذروا من وجود فراغات فكرية لدى طلبتنا الجامعيين و المثقفين في جامعاتنا. لدينا الكثير من الكلام لنقوله من الأفكار الرصينة المقنعة، و يجب تعميق الإعلام بالكلام الجديد و المتين و المتطابق مع المعايير الثقافية. إنني أمقت النقاشات حول هل لدينا مثقفين دينيين أو لا، و أبتعد عنها. النظرة الجديدة و الإبداعية للقضايا الدينية و مسائل الفكر الإسلامي هي نظرة ثقافية و لا تعني البدع. إنه عرض و بيان لنفس الأسس و الركائز بأبعاد جديدة يتعرّف عليها الإنسان و يفهما بفضل مرور الزمن. يجب عدم الغفلة عن هذا الجانب.
على كل حال، أتمنى أن يوفقكم الله سبحانه و تعالى جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء و يؤيّدكم. كانت جلسة اليوم جلسة جيدة، و قد كانت مفيدة بالنسبة لي. و قد سجّلت بعض النقاط، و سوف تدرس التفاصيل التي ذُكرت إن شاء الله في المراكز المسؤولة عن هذه العملية، سواء في مكتبنا أو خارج مكتبنا، و تُتابع، و سوف يُتخذ اللازم في ما يتعلق بنا، و ما يتعلق بالمسؤولين الحكوميين المحترمين - و السادة الوزراء حاضرون هم بأنفسهم هنا - سيُبلّغ لهم ليتابعوه إن شاء الله.
و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته.