کلمته في لقائه بالمسؤولین عن مؤتمر آیة الله السید شهاب الدین المرعشي

بسم الله الرحمن الرحیم
إن ما يُنجز من عمل هو في محلّه تماماً بتكريم هذه الشخصية متعدّدة الأبعاد. يختلف المرحوم آیة الله المرعشي عن غیره من المرجعیات المتعارفة و التقلیدیة ببعض الوجوه. واحدة من تلك الوجوه مسألة الاستئناس بالکتاب و الخبرة به و التضلع بمعرفة نسخه. و هذا نادراً ما شاهدنا نظیراً له. طبعاً كان لبعض العلماء العظام و المراجع الکبار مکتبات قدیمة و جیدة في النجف و قم، إلّا أن الاستئناس بالکتاب و معرفة النسخ الخطیة و معرفة المؤلفین واحدة من امتیازات المرحوم آیة الله المرعشي النجفي، فقد كان یتوافر على هذا الفن العظیم إلى جانب سائر مفاخره.
لعل إحدى أسباب علاقته مع بعض المبرّزین و المعروفین من الجامعیین هي مکاتباته، لأن مسألة الکتاب و نسخه و المؤلفین و جمع الکتب و الخبرة بها کانت لها أهمیة في حیاته. الأمر الآخر الذي یتمیّز به هو الموسوعیة في المعلومات، و من ذلک مسألة المعرفة بالأنساب و الأمور ذات العلاقة بها، و هي لیست بالأمر الهیّن، بل هو شیء مهم. لقد کان مطلعاً علیها، و قد حقق و طالع في هذا المیدان کثیراً. مضافاً إلی أمر آخر يتمثل في نشاطه الکبیر في معرفة إجازات الروایة و ربط سلسلة رواة الشیعة من جهة إجازتهم للروایة عن بعضهم البعض.
ثم و کما أشیر سابقاً کان علی علاقة بعلماء معروفین في العالم الإسلامي من أجل أخذ و إعطاء إجازة الروایة منهم و عنهم، فکان یتبادل الإجازات معهم، و هذه من الملاحظات المهمة التي یحسن فهمها و التعریف بها في شخصیته.
الخصوصية الأخرى في المرحوم المرعشي النجفي علاقته الوثیقة بالناس في قم، فلقد کان مرجعاً جماهیریاً، و ذا صلات بالناس، و کان یحبّهم، و کانوا يتردّدون عليه، و کان بسیطاً في علاقته معهم، و لقد کانت علاقته بالقمّیین قویّة إلی درجة أن کثیراً منهم کانوا یتصوّرونه من أهل قم، و لم یسمع أحد السید المرعشي و هو یتکلم الترکیة مع أنه من أهالي تبریز.
کان قریباً جداً من الناس، إلی درجة أنه قد یحصل في بعض الأحیان أن بعض الطلاب الأتراك یذهبون إلیه و یتکلموا معه بالترکیة، فکان یجیبهم بالفارسیة. إن التواصل مع الناس کانت خصوصية بارزة في شخصیته، کان مع الناس یعایشهم بیُسر، و هذه لیاقات جيدة جداً.
أما بالنسبة للإمام الخمیني و الثورة الإسلامیة فکان مواکباً لهما منذ البدایة، و لذا فإن إحدى البيوتات التي کان للمرحوم الحاج السید مصطفی الخمیني ارتباط قوي بها بعد سجن الإمام الخميني، و كان يتردّد علیها هو منزل المرحوم السید المرعشي.
إن شبابنا و کثیراً من الناس مطلعون بحق علی الخصال الأخلاقیة و طباع و سلوکیات هؤلاء الأکابر، و بمعرفتهم لها سوف تمتلئ قلوبهم محبّة لهم، لذلك من الضروري جداً حصول مثل هذه المعرفة.
علی أي حال أنا سعید بما تؤدّونه من عمل ــ انعقاد المؤتمر ــ و أتقدم بشکري للجمیع. و هذه المکتبة التي خلفها المرحوم المرعشي کذکری عنه لهي تراث قيّم حقاً.
مکتبات الشخصیات الکبرى هذه، و التي أشرت إلیها، تعرّض قسم کبیر منها للتلف و الاضمحلال. علی سبیل المثال مکتبة المرحوم الشیخ علي کاشف الغطاء في النجف كانت من المکتبات المهمة و المعتبرة جداً، و لا بأس بمتابعة هذة المسألة، فمکتبة المرحوم الشیخ علي کاشف الغطاء والد الشیخ محمد حسین آل کاشف الغطاء المعروف، لا یُعلم ماذا حصل لها و أین هي الآن.
کانت هناك الكثير من المكتبات في النجف، و كذلك في قم، ففي قم کان للمرحوم صفائي مکتبة جیدة. و کان للمرحوم السید کلباسي مکتبة جیدة أیضاً. فلم نسمح بعد وفاة هؤلاء المبرّزين بتفرق مكتباتهم و تقسيمها بین الورثة ووقوعها في أيادي الآخرين، بل اشتريناها كلها منهم و نقلناها إلى الروضة المطهرة، و علی هذا الأساس حفظت بعض هذه المکتبات و لله الحمد. لکن الإنسان لا یری نظيراً لمکتبة السيد المرعشي في عظمتها و رونقها و ضخامتها.
من بین المکتبات الشخصیة، و التي كانت ملكاً لأشخاص معينين و جمعت بأموال شخصية، کانت مکتبة المرحوم المرعشي النجفي الوحيدة الدالة - و الحمد الله - على أهمية و عظمة تراثنا المكتوب. و نتمنى أن تزدهر هذة المکتبة أکثر فأکثر یوماً بعد يوم إن شاء الله تعالى. إن عنایات و ألطاف الإمام الخمیني و تسديده لهذة المکتبة کان بحق - و حسب رؤیتي - هو الذي حفظها و ساعد الورثة المحترمین علی تنظیمها.
نتمنى أن یکون مؤتمرکم هذا مؤتمراً جیداً إن شاء الله، و ذا تأثیر مستدام. رجائي هو التركيز جيداً على جوهر المؤتمر، فالظواهر لیست بذات أهمیة، المهم هو تحصيل العمق العلمي و المعرفي من هذة المؤتمرات.

الرجاء كتابة تعليقاتكم