کلمته فی لقائه التعبویین بمحافظة خراسان الشمالیة
بسم الله الرحمن الرحیم
و الحمد لله رب العالمین، و الصلاة و السلام علی سیّدنا و نبیّنا أبی القاسم المصطفی محمّد، و علی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین الهداة المهدیین المعصومین المکرّمین، سیّما بقیة الله فی الأرضین.
جماعة التعبویین الأعزاء فی هذه المحافظة نوّروا بوجوههم التعبویة النیّرة و قلوبهم المنوّرة إن شاء الله أجواء اجتماعنا الصمیمی هذا. الأجواء أجواء المعنویة و الصمیمیة و المحبّة و الإخلاص، کما هو الحال بالنسبة لکل الجماعات و الأنشطة التعبویة.
البرامج التی تمّ تقدیمها و استعراضها کانت جیدة جداً. هذه البرامج الریاضیة المحلیة مرجّحة یقیناً علی الکثیر من الأعمال التقلیدیة المستعارة. إنها ریاضة بطولیة زاخرة بالتراث الإیرانی و الإسلامی. یجب أن نتذکّر دائماً إن ما نملکه ممتزج بعقائدنا و إیماننا، و ما هو وافد، إذا أردنا أن نمنحه شکلاً إیمانیاً و إسلامیاً و إیرانیاً فیجب بث هذه العناصر فیه. ما یرتبط بنا و نمتلکه نحن، له بطبیعة الحال شکله الدینی الإیمانی. و جماعة «حلقات الصالحین» خطوة جیدة جداً، تمّ تقدیم استعراض لها هنا. و النشید الذی قدّمه الإخوة الأعزاء کان جیداً جداً و لافتاً فی مضمونه و أدائه. تعلمون طبعاً و أؤکد لکم: حینما تقولون «یا سیدی یا مولی» یجب أن تقصدوا بالتأکید الوجود المقدس لإمامنا صاحب الأمر و الزمان المهدی المنتظر (سلام الله علیه).
قیل الکثیر حول التعبئة. مهما سجّلنا من النقاط و الملاحظات حول التعبئة و دققنا و تأملنا فیها، لما کان ذلک بکثیر. و علی الصعید العملی مهما عملنا و أکدنا علی متانة التعبئة و تعمیق خصائصها - الخاصة بها - لما کان ذلک عملاً زائداً أضافیاً. لماذا؟ لأن البلاد لدیها تجارب جیدة عن مشارکة التعبئة و إسهامها فی المیادین المختلفة، سواء فی فترة الدفاع المقدس، أو قبل ذلک أو بعد ذلک و إلی الیوم، و تفاصیل ذلک تعلمونها و سمعتم بها، و سوف أشیر لها. أین ما کانت مشارکة التعبئة و التعبویین محسوسة حققنا تقدماً. هذه تجربة مهمة. و للبلاد قضایاها الأهم فی المستقبل - و لا أقول مشکلات أهم - فقد تقلّ المشکلات یوماً بعد یوم، و لکن ثمة قضایا أهم و أعمال أکبر. إننا کشعب، لا نرید أن نحیط أنفسنا بسور، و لو فعلنا حتی ذلک فلن یتوقف النمو و التقدّم، لکن نظرتنا نظرة واسعة تمتدّ علی امتداد التاریخ و العالم. شعب بمثل هذه المبادئ و الأهداف و بمثل هذه الهمّة العالیة أمامها الکثیر من الأمور و القضایا. هذه القضایا تحتاج إلی خصائص و سمات متوفرة فی الجماعة التعبویة. لذلک مهما قیل فی التعبئة و مهما جری التدقیق و التعمّق فی الخصائص و السمات لما کان ذلک کثیراً.
أولاً التعبئة توأم الثورة. و ربما أمکن القول بمعنی من المعانی أن التواجد التعبوی للجماهیر هو الذی أدّی إلی انتصار الثورة أو ظهورها. الشباب المتطوّعون المندفعون خاضوا غمار الساحات فی کل مکان قبل الثورة - و فی مدینة بجنورد هذه حسب معلوماتی - و صمدوا و شارکوا و سجّلوا حضورهم. و تجمّعت هذه الجهود فی کل أنحاء البلاد فکانت الحرکة العظیمة لثورة الشعب الإیرانی. و علیه، بهذا المعنی کانت ولادة التعبئة سابقة لولادة الثورة، لکن بانتصار الثورة ولدت التعبئة بشکلها الحالی، و سوف أذکر الخصوصیات و الخصال الفریدة لهذه الظاهرة المذهلة. لذا یمکن اعتبار التعبئة توأماً للثورة.
هذه الظاهرة ظاهرة منقطعة النظیر. ألم یکن للشعوب الأخری و الثورات الأخری تواجد شعبی جماهیری حتی تقولوا إن التعبئة ظاهرة منقطعة النظیر؟ بلی، کان لکتل الشعوب تواجدها فی الثورات الأخری، و فی أحداث کبری فی بلدان العالم، لکن مع وجود فوارق جد عمیقة و مؤثرة. لو نظرتم للتاریخ لوجدتم ثورتین عرفتا فی القرنین أو الثلاثة الأخیر فی العالم بمستوی ثورتنا. إحداهما الثورة الفرنسیة الکبری، و الثانیة الثورة الشیوعیة فی الاتحاد السوفیتی. کان للجماهیر حضورهم و مشارکتهم فی کلا هاتین الثورتین، لکن تواجد الجماهیر فی تلک الثورتین - و قد کان تواجداً هائلاً کبیراً - یختلف عن تواجد التعبئة فی ثورتنا. و سأذکر بعض خصوصیات المشارکة التعبویة.
أولاً کان لهذه الجماعة الشعبیة العامة تنظیمها منذ البدایة. و هذه خصوصیة منقطعة النظیر. و قد ساعد هذا التنظیم علی أن لا تضیّع هذه الحرکة الشعبیة العظیمة طریقها. و حینما یکون هناک تنظیم فمعنی ذلک أن هناک هدایة و توجیه و بصیرة و مرکزیة فی اتخاذ القرارات و توافر إرادة الشعب، من دون أن یکون هناک تطرّف و تمادی و انحراف و أخطاء کبیرة.
و الأهم من ذلک خصوصیة الإیمان و العمل بدافع الشعور بالتکلیف الشرعی. تارة قد تدفع المشاعر المحضة إنساناً أو جماعة من الناس باتجاه معین، هذا شیء ممکن و موجود فی کثیر من الحالات و الأماکن. هذا الإنسان الذی یتحرّک بدافع المشاعر لن تکون هدایته و توجیهه و زمام نفسه و حرکته بید عامل معنوی داخلی قلبی، فیتجاوز الحدود فی کثیر من الأحیان، و قد یرتکب مجازر حین یجب أن لا یفعل ذلک، و قد یمارس الظلم حین ینبغی أن لا یفعل ذلک. لذلک تلاحظون فی هذه الثورات التی ذکرتها کما هو مسجّل فی التاریخ - و هو تاریخهم و لیس ما نقوله نحن - الکثیر الکثیر من هذه الأخطاء و الانحرافات و الصراعات، حیث تصطف جماعة ضد جماعة أخری. نعم، الإنسان المؤمن المتدیّن لدیه هو الآخر مشاعره، و نحن لا نتحرّک من دون مشاعر، لدینا مشاعرنا و أحاسیسنا و عواطفنا و مشاعرنا الغضبیة، لکنها مشاعر مروّضة بالإیمان. الشاب التعبوی فی تعامله مع العناصر المنافقة، و لأن هذا العنصر امرأة لیست من المحارم، فإنه یضحّی بنفسه من أجل أن لا یمسّ جسد هذه المرأة المشتبه بها. هذه من الأحداث التی وقعت کثیراً. دقة التعبوی فی تشخیص المنافق و الإمساک به تتحقق فی الکثیر من الحالات. فی بعض هذه الحالات قد یکون الجانب الآخر امرأة، فلا یکون التعبوی مستعداً لتجاوز حدوده الإیمانیة. لاحظوا أن هذا مؤشر علی وجود الإیمان لدی هذا الإنسان التعبوی. و هذا علی جانب کبیر من الأهمیة. نعم، قد یؤدی هذا فی بعض الأحیان إلی استشهاد أربعة مثلاً من التعبویین، و لکن حین ننظر نظرة عامة شاملة نجد فی ذلک معنی جد رفیع و مهم. إذن، الحرکة العامة الشاملة و المنظمة للشعب تتقدّم بهدایة الإیمان و بتدخّل الإیمان. هذه من خصوصیات التعبئة.
و خصوصیة أخری هی تواجد کل شرائح الشعب فی التعبئة. فهناک فی التعبئة أبناء المدن و أبناء القری و الأریاف و الشباب و الیافعین و الشیوخ. فی أیام الحرب، کم کانت الإذاعات الأجنبیة و الدعائیون المعاندون المغرضون یقولون إن الجمهوریة الإسلامیة تبعث للجبهات الأطفال غیر البالغین؟ نعم، کان الأطفال غیر البالغین یذهبون، لکن أحداً لم یکن لیبعثهم إلی الحرب. کانوا یأتون و یبکون و ینحبون و یتلاعبون بأعمارهم فی الهویات الشخصیة، و یکسبون رضا والدیهم بصعوبة و توسّلات، و یدسّون أنفسهم بین المقاتلین لیوصلوا أنفسهم للجبهات. هذه حقیقة. الشیوخ و الشبان و المتعلمین و غیر المتعلمین لهم حضورهم و نشاطهم فی التعبئة. و هنا لم یقف المثقفون جانباً. فی بعض هذه التجمّعات الکبری التی تحدث فی الثورات لم یکن المثقفون لینخرطوا فی صفوف الناس. رویت ذات مرة عن مسرحیة تنویریة أن رجلاً کان یقف فوق الإیوان و ینظر لحرکة الجماهیر لکنه لا یشارک فیها و لا یختلط معهم. أما هنا فالأمر لم یکن علی هذه الشاکلة، فقد کان هناک العامل و المزارع و الطالب الجامعی و طالب المدرسة و الطبیب و الکاتب البارز و الشاعر المعروف و المتخصّص و المخترع.. الکل شارکوا فی التعبئة. اذهبوا و انظروا لتنظیمات التعبئة و تشکیلاتها، و انظروا لها فی مدینتکم أیضاً، لتروا أن الحالة هی هذه فی کل مکان. جاء هنا بالأمس شاب مخترع و عرّف نفسه باعتباره تعبوی مخترع. هذا ما لا نظیر له فی العالم. تعبئة المخترعین و تعبئة الأساتذة الجامعیین، و تعبئة الکتّاب، و تعبئة الشعراء. الجماعات المثقفة بأشکال مختلفة لها مساهمتها فی هذه المنظومة الهائلة الملیئة بالأسرار التی تسمّی التعبئة. هناک الشباب و هناک الشیوخ و النساء و الرجال و المتخصصون الصناعیون و المتخصصون فی علم النفس. یوجد فیها کل صنوف الناس.
الخصوصیة الأخری هی المواکبة و المواصلة. مضت علی الثورة ثلاث و ثلاثون سنة. و قد کان تواجد الجماهیر و کتل الشعب فی مختلف الثورات لمدة شهر أو شهرین أو سنة علی أکثر التقدیرات، ثم انتهی. و هنا أیضاً أوصی بهذا الذین أرادوا للحیاة و الجمهوریة الإسلامیة أن تقوم علی الوصفات الغربیة. أوصوا فی بدایات الثورة و قالوا إن الثورة قد انتهت فلیعد الناس إلی بیوتهم. و فی الثورات الأخری عاد الناس إلی بیوتهم، أما هنا فمضت علی الثورة ثلاث و ثلاثون سنة و التعبئة فی الساحة تواکب الأحداث و تواصل حضورها. الجیل الذی انخرط فی التعبئة آنذاک صاروا الیوم شیوخاً و کهولاً و شابت لحاهم و صار لهم أحفاد و زوجات أبناء و أصهار، لکنهم تعبویون. هم شاخوا و لکن هل شاخ وجه التعبئة؟ أبداً. وجه التعبئة وجه شاب. فما معنی ذلک؟ معنی ذلک أن الأجیال الجدیدة و المتعاقبة لم تتخلّ عن هذه المشارکة الجماهیریة الشعبیة و لم تنسها. فی یومها کان البعض یقولون إنهم بالتالی شباب و یتملکهم الهیاج، و الحرب حدث زاخر بالهیاج، لذلک ینجذب الشباب نحو الحرب بدافع ما فیها من هیاج. و الیوم لا توجد حرب و لا یوجد هیاج الحرب و حماسها، فلماذا یتواجد الشباب فی الساحة؟ هذه هی قضایا التعبئة. لاحظوا، هذه هی النقاط الدقیقة التی حینما نضعها إلی جانب بعضها نستنتج أن التعبئة ظاهرة مدهشة و استثنائیة و زاخرة بالأسرار و الرموز فی نظام الجمهوریة الإسلامیة. لقد حلّت هذه المنظومة الکثیر من العقد و کان لها مشارکتها الفاعلة فی الکثیر من الساحات، حیث کان تواجدها مؤثراً حاسماً. لذا فنحن بحاجة لهذا التواجد فی المستقبل أیضاً.
لیخمّن أهل التدبّر و التأمل: لماذا یرفع الذین یستلهمون کلامهم و خطواتهم و أنفاسهم من إذاعة إسرائیل الشعارات ضد التعبئة قبل کل شیء؟ هل یفهمون هم لماذا یرفعون الشعارات ضد التعبئة أم لا یفهمون؟ هذا ما لا أستطیع أن أحکم به. لکن هذه هی حقیقة الأمر. یتعرّضُ هذا المفتاحُ الذهبیّ لحلّ الکثیر من المشکلات المستقبلیة، یتعرّض لبغض و عداء الذین لا یریدون أن یکون لنظام الجمهوریة الإسلامیة مستقبل صالح شامخ ناجح، لذلک یریدون کسر هذا المفتاح الذهبی، أو التقلیل من أهمیته - علی الأقل - فی أنظارنا أنا و أنتم. و بالطبع فإنهم لن یستطیعوا ذلک و هذا أمر واضح بیّن. طیّب، هذا عن خصوصیات التعبئة. و الکلام فی هذا المجال کثیر و یطول، و قد ذکرت إننا مهما دققنا و اکتشفنا النقاط و الحقائق، و تأمّلنا فی هذه النقاط و توسّعنا فیها لتکون فکر المجتمع و ثقافته لما کان ذلک کثیراً. التدقیق فی التعبئة - هذه الظاهرة العجیبة التی أهداها الله تعالی لنظام الجمهوریة الإسلامیة - قضیة علی جانب کبیر من الأهمیة.
طیّب، أنتم من ضمن التعبئة. الکل یجب أن یفخروا بأنهم جزء من منظومة التعبئة. الذی ینخرط فی هذه المنظومة له مؤهلات و قد أثبت هذه المؤهلات إذ التحق بالتعبئة. یجب الحفاظ علی هذه المؤهلات. ما أقوله لکم - و أنتم أبنائی و شبابی - هو أنه یتعیّن علیکم الحفاظ علی هذه الخصوصیات، و لیس الحفاظ علیها فقط، بل تعزیزها و تقویتها أیضاً.
و من خصوصیات التعبئة بناء الذات. یجب أن نربّی أنفسنا. أنا الشیخ المسنّ أیضاً أحتاج إلی تربیة نفسی و لجمها و صیانتها. التحرّک عند الشاب أسرع، و اتخاذ القرارات أسرع، و المبادرات أسرع، لذلک فالمراقبة و الصیانة و بناء الذات أمور تتسم بحساسیة عالیة جداً. بناء الذات عملیة سهلة و ممتنعة. فهی سهلة من جهة و صعبة من جهة. إذا کنا فی بیئة مناسبة و مساعدة کان بناء الذات سهلاً. أنتم مثلاً من أهل التوجّه لله و أهل الدعاء و التضرّع و البکاء. أحیاناً یکون المرء فی بیئة هی بیئة تضرّع و بکاء و توجّه إلی الله. القلوب کلها متوجّهة لله و الدموع کلها جاریة. هنا تکون حالة التضرّع أسهل علی الإنسان، فالبیئة بیئة مساعدة. البیئة المساعدة تسهّل بناء الذات. من البیئات المساعدة حالات الدفاع المقدس بحدّ ذاتها، لکن التعبئة ذاتها بیئة مساعدة. أنتم المتواجدین فی هذه المنظومة تعیشون فی الواقع بیئة و مناخاً مساعداً علی بناء الذات. التقوی، و صیانة الذات، و البعد عن الذنب، و أداء الفرائض، و أداء الصلاة کفرصة للأنس مع الله تعالی، و التوجّه لمعانی الصلاة، و حضور القلب، و الترکیز أثناء الصلاة، کلها أدوات لبناء الذات. حینما تعیشون فی بیئة مساعدة فإن أدوات بناء الذات هذه تساعدکم بصورة أفضل و أکثر. و حین یکون ذلک تزداد طاقاتکم و قدراتکم الروحیة، و کذلک استقامتکم و صمودکم و صبرکم و توکلکم و إبداعکم و تدفقکم الداخلی.. تزداد هذه کلها معاً.
حینما لا نکون قد خضنا بعدُ ساحة معینة سنبقی نشعر بالخوف و الفزع منها، و حتی لو کانت فینا بعض المواهب ستبقی مکتومة کامنة، و لکن حین نکسر هذا الخوف و نخاطر و نخوض غمار الساحة فإن هذه المواهب تبدأ بالتفتّح و الازدهار، و هکذا تتحوّل المستحیلات إلی ممکنات. و کما قال الآمر نقدی الآن فإن شاباً جامعیاً قلیل السنّ سیذهب مع جماعة قلیلة یسمّیها هو لواء - و هل اللواء یتشکل من مائة شخص؟ مائة و خمسون شخصاً هل یشکلون لواء؟ لکنه کان یقول إنهم لواء - سیذهب إلی غرب البلاد أو جنوبها و یقاتل بهذا اللواء المؤمن المخلص مقابل وحدات مقاتلة مجهزة فی جبهة الأعداء و بقیادات ذات سوابق. لیس عند الطرف الأول هذا من معدّات سوی المعدّات البدائیة، بینما الطرف المقابل مجهز بأفضل المعدات و أرقاها. و هذا الطرف لیست لدیه أیة تجارب فی القیادة القتالیة بینما الطرف المقابل مارس القیادة العسکریة بعدد سنوات عمر الطرف الأول. یصطف هذان الجانبان مقابل بعضهما فیتغلب الأول علی الثانی، و یغنم دباباته و معداته و ینتصر علیه. هذه أمور تتحقق ببناء الذات. من دون بناء الذات لا یمکن خوض هذه المیادین.
البعض کانوا خائفین. و البعض کانوا یصدرون أحکاماً مسبقة و یقولون إن هذه الأمور مستحیلة أساساً، و کانوا یعارضون تواجد التعبئة و حضورها فی کل مکان. کنت أری أن الشخصیات المتدیّنة ذات الأهلیة فی الجیش النظامی یومذاک ترحّب بمصاحبة المنظومة التعبویة لها و التعاون معها. هذا ما شاهدته بنفسی مراراً خلال فترة الحرب، فی مقر أبی ذر، و فی الجنوب، و فی الشمال الغربی. آمر الجیش نفسه کان یصرّ علی اصطحاب المنظومة التعبویة معه، و یحبّ ذلک و یرحّب به، و هنا فی طهران کان البعض یجلسون و یتململون و یقولون لماذا یشارک هؤلاء فی الأعمال و الأمور؟ و لماذا ذهبوا من دون إذن؟ و لماذا فعلوا کذا و کذا؟ کانوا منزعجین من مشارکة التعبئة. لأنهم کانوا عدیمی الأمل و یائسین و یقولون لا یمکن فعل شیء، و لکن حین دخلت التعبئة فی الساحة بعث هذا الدخول علی الأمل و فجّر المواهب و الطاقات.
تواجد التعبوی فی ساحة المعرکة بحد ذاته یمنحه النور و ینیر روحه. و قد کان دارجاً أیام الدفاع المقدس أن یقال إن فلاناً نوره عال شدید. أی إنه سوف یستشهد قریباً. کانت هذه نورانیة تواجد التعبوی و مشارکته. و قد شهدتُ هذه الحالة بنفسی، و لیس لمرة أو مرتین. و لا بأس أن أذکر حالة تتعلق بمحافظتکم هذه. کان هناک رائد فی الجیش علمنا بعد ذلک أنه من أهالی آشخانه - الرائد رستمی - جاء إلی الجبهات برغبته عن طریق التعبئة و التحق بمجموعة الشهید چمران. کنت أراه کثیراً یأتی و یذهب. و ذات لیلة کنا جالسین مع المرحوم چمران نتحدث عن قضایا الجبهات و أعمال یوم غد، فانفتح الباب، و دخل الشهید رستمی. و لم أکن قد رأیته منذ أیام. وجدته موحلاً من أعلاه إلی أسفله. أحذیته موحلة، و جسمه موحل مترّب، و وجه متعب، و لحیته طویلة، و لکن حین نظرت لوجهه وجدته منوّر یتألق کالقمر. لم أکن قد شاهد هذه الحالة فیه خلال الأیام السابقة. کان قد ذهب إلی إحدی مناطق العملیات و عمل کثیراً هناک، و جاء الآن لیرفع تقریراً. و قد استشهد بعد مدة قصیرة. کان من الجیش، لکنه التحق بالتعبئة فی الجبهات و صار ناشطاً هناک و یجاهد و یسجّل حضوراً فدائیاً - فی جماعة الشهید چمران التعبویة - و استشهد بعد ذلک. لقد شاهد الکثیرون هذه النورانیة، و شاهدناها نحن أیضاً، و شاهدها الآخرون أکثر منا. و هذا ناجم عن هذه المشارکة الاستثنائیة.
و من القضایا فی التعبئة قضیة الإیثار. الإیثار فی اللغة علی الضدّ من الاستئثار. الاستئثار معناه أن نرید لإنفسنا کل شیء. و ثمة شکایات أحیاناً من قبل الأئمة (علیهم السلام) من المستأثرین فی بعض الأدعیة. المستأثرون هم الذین یریدون کل شیء لهم. ینشدون المصالح الشخصیة و یتطاولون علی ما للآخرین. و الإیثار علی الضد من ذلک، أی التجاوز عن نصیب الذات و حق الذات للآخرین، و صرف النظر عن حق الذات لأجل الآخرین. و کانت قمّة هذه الخصوصیة فی التعبئة. و أقولها لکم أیها الشباب الأعزاء، حاولوا أن تعززوا هذه الخصلة فی أنفسکم. نحن البشر نسیر دوماً إلی جوار المنزلقات، و الجاذبیات تنادینا إلی نفسها، و نسیر وراء المصالح الشخصیة، فالمصالح الشخصیة تجتذبنا. و أحیاناً نکون علی استعداد لسحق حقوق الآخرین من أجل مصالحنا. یجب أن نراقب أنفسنا. بناء الذات لدی التعبئة من عناصره أن یستطیع التعبوی تعزیز هذه الروح و تنمیتها فی شخصیته بحیث یکون قادراً علی الإیثار. القمم التعبویة التی ذکرناها هم الذین وضعوا أرواحهم علی الأکفّ و ساروا للدفاع عن الإسلام و الثورة و الإمام الخمینی و البلد، و قاتلوا لصیانة البلد. فهل تضحیة و إیثار فوق هذا؟ و أکثر من هذا؟ هذه قمّة الإیثار.
و دون ذلک صرفُ النظر عن المصالح المادیة قصیرة الأمد التی نطمح لها. حاولوا أن تتنازلوا عن مصالحکم الشخصیة من أجل المصالح العامة و لصالح الإسلام و الأهداف السامیة. و لیس معنی هذا أن نتنکّر للدنیا و نعرض عنها. لا، الدنیا مکان للسعی و النشاط. سواء من أجل الحیاة الشخصیة أو من أجل الحیاة العامة، و سواء من أجل المادیات أو من أجل المعنویات. و لکن حینما نجد أن الوصول إلی حق شخصی معناه التجاوز علی حقوق الآخرین و تجاوز القانون و تجاوز الإنصاف، هنا یجب أن نمسک بزمام النفس و نلجمها، فنصرف النظر عن ما نستطیع الحصول علیه لصالح الآخرین. هذا هو الإیثار.
و بالطبع فإن من الأمور المهمة قضیة البصیرة. أقول لکم: البصیرة فی هذا الزمان و فی کل الأزمنة بمعنی أن تشخّصوا خط الالتحام بالعدو. أین یوجد التحام و معرکة مع العدو؟ البعض یخطئون فی تشخیص نقطة الالتحام و النزال، فیطلقون قذائفهم و مدفعیتهم علی نقطة لا یوجد فیها العدو بل الصدیق. البعض یعتبرون منافسهم الانتخابی «الشیطان الأکبر»! الشیطان الأکبر هو أمریکا، الشیطان الأکبر هو الصهیونیة. المنافس السیاسی لیس الشیطان الأکبر. المنافس الانتخابی لیس الشیطان الأکبر. أنا من أنصار زید و أنت من أنصار عمرو، و أنا أعتبرک الشیطان؟ لماذا؟ لأیّ سبب؟ و الحال أن زیداً و عمراً کلاهما یدّعیان الثورة و الإسلام و یعملان لخدمة الإسلام و الثورة. لنشخّص خط الالتحام و المعرکة مع العدو. أحیاناً قد یکون هناک شخص یرتدی لبوس الصدیق لکن حنجرته تکرّر کلام العدو! یجب أن ننصح مثل هذا الشخص. و إذا لم یعمل بالنصیحة فیجب أن یحفظ المرء حدوده الفاصلة معه. لا بدّ من خطوط فاصلة معه تفصلنا عنه. إذا تقرّر أن تقفَ بوجه الجمهوریة الإسلامیة و تتحدّث عنها بنفس مشاعر الکیان الصهیونی تجاه الجمهوریة الإسلامیة - و إنْ کان ذلک بأدبیات أخری - فما هو فرقک عن الکیان الصهیونی؟ إذا أردت أن تتعامل مع الجمهوریة الإسلامیة بنفس المنطق الذی تتعامل به أمریکا مع الجمهوریة الإسلامیة فلن یکون ثمة فرق بینک و بین أمریکا. و لکن قد لا تکون القضیة فی بعض الأحیان علی هذه الشاکلة. أی قد تکون هناک اختلافات، و قد تکون الاختلافات عمیقة و کبیرة، لکن المرء لا یخلط العدو مع غیر العدو. للعدو حالة الخاصة و لغیر العدو حالته الخاصة. ینبغی رسم خط الاشتباک مع العدو و تشخیصه، و هذا ما یتطلب البصیرة. هذه هی البصیرة التی نتحدّث عنها.
البعض یسقطون من هذا الطرف و البعض یسقطون من ذاک الطرف. و البعض یتعاملون مع العدو تعاملهم مع الصدیق، و لا یشخّصون هتافات العدو و أصواته لأنها تخرج من حنجرة أخری. و جماعة فی هذا الجانب ما إن یختلف أحد معهم فی الذوق و الرأی حتی یحسبوه علی العدو! البصیرة هی الخط الوسط الصحیح.
ذکرنا المنافس الانتخابی. و الانتخابات أمامنا و هی بالطبع لیست قریبة. البعض یدخلون ساحة الانتخابات من الآن. لا، إننا لا نؤیّد هذه الحالة علی الإطلاق. لکل شیء وقته و مکانه. لکن ما نریده و نفکر به و نطمح إلیه فی الانتخابات هو هذه الأمور:
أولاً یجب أن تکون مشارکة الناس فی الانتخابات مشارکة عظیمة هائلة، فهذا من عوامل الصیانة. یجب أن ینصب کل سعی المسؤولین الیوم و غداً و فی یوم الانتخابات و عند المقدمات و اللواحق علی المشارکة الشعبیة الواسعة.
و الشیء الآخر هو أن نطلب من الله أن یفتح أعیننا و نحاول نحن أیضاً ذلک، و نعمل ما من شأنه أن تکون نتیجة الانتخابات اختیاراً صالحاً مفیداً للثورة و البلاد. و هذا لا یعنی أننا إذا لم نرغب فی شخص، جاز لنا أن نسیئ الأخلاق معه، و نتعامل معه تعاملاً حاداً شدیداً خاطئاً. لا، لیدخل الساحة الذین یرون أنفسهم صالحین مؤهلین. و نحن الذین نرید أن ننتخب، لننظر وفق المعاییر التی نؤمن بها و المشترکة بیننا جمیعاً، و نفحص الأمور و ندرسها. ربما أمکن القول إن هذه المعاییر مشترکة تقریباً بین جمیع الإیرانیین المؤمنین بالثورة. فی أی شخص شاهدنا هذه المعاییر لنحاول و نسعی و نعمل - عملاً سلیماً - علی أن تسیر الانتخابات صوب انتخاب مثل هذا الشخص.
النقطة الأساسیة الثالثة - و أکتفی الیوم بهذا المقدار، و قد یکون لی فی المستقبل الکثیر مما أقوله عن الانتخابات - هی أن الانتخابات مدعاة سمعة حسنة و فخر للبلاد. لیحذر الجمیع من أن تتحوّل الانتخابات إلی مدعاة سوء سمعة للبلاد، کما حاول البعض فی سنة 88 تصویر الانتخابات علی أنها مظهر اختلاف، و تبدیل الضجیج السیاسی الطبیعی للانتخابات إلی فتنة، و بالطبع فقد وقف الشعب الإیرانی بوجه ذلک، و متی ما حدثت حالة مشابهة لتلک، سیقف الشعب بوجهها.
طبعاً سلامة الانتخابات و نزاهتها أیضاً قضیة أساسیة و مهمة. بید أن افتراضنا هو أن مسؤولو البلاد یعملون بضمیر إسلامی و إلهی و أن انتخاباتنا نزیهة. فی الماضی أیضاً حینما أقیمت انتخابات فی الحکومات المختلفة - سواء انتخابات رئاسة الجمهوریة أو انتخابات مجلس الشوری الإسلامی أو الانتخابات الأخری - کان افتراضنا أن الانتخابات نزیهة. و طبعاً لا بدّ من مراقبات متنوعة من جهات شتی. نسأل الله تعالی أن یبارک هذا الاختبار لشعبنا العزیز.
اللهم أنزل رحمتک و فضلک علی هؤلاء الشباب الأعزاء. اللهم قوّ سواعد النظام القویة، أی التعبئة، أکثر فأکثر. منّ علی قلوبنا بذکرک و الخشوع أمامک. ربّنا اجعل موتنا فی سبیلک و من أجلک. ربّنا أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدی المنتظر (ع). و أرض عنا الأرواح الطاهرة للشهداء و روح إمام الشهداء.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.