ألقیت هذه الکلمة یوم الإثنین 16/07/2012 م في لقائه بأعضاء اللجنة المکلفة بإقامة مؤتمر تکریم ذکری الفقیه المتأله آیة الله السید علي القاضي، الذي أقیم في تبریز بتاریخ 05/11/20123 م
بسم الله الرحمن الرحیم
إن تکریم المرحوم المیرزا السید علي القاضي عمل جيد جداً، و ذو فائدة كبيرة إن شاء الله تعالى. لقد كان السيد القاضي- الميرزا علي القاضي ــ إحدى حسنات الدهر، و كان بحق من الشخصیات العلمیة و العملیة نادرة النظیر، إن لم نقل إنها منقطعة النظیر.
فهو مضافاً لمکانتة المعنویة و العرفانیة الرفیعة قام بتربیة مجموعة کبیرة من الطلاب و تخریجهم، و هذا أمر علی مستوی کبیر من الأهمیة.. لقد کان طلابه من الشخصیات الکبیرة، التقیتُ أنا ببعضهم، کالمرحوم السید الطباطبایي، و المرحوم السید محمد حسن إلهي ــ شقیق المرحوم الطباطبائی ــ و المرحوم المیرزا السید إبراهیم شریفي ــ صهر المرحوم السید القاضی ــ الذي کان في مدینة زابل، و هو أحد أبرز طلابه، و المرحوم الحاج الشیخ عباس قوچاني، و فی أیامنا الأخیرة هذه المرحوم الشیخ بهجت، و آخرین من الأکابر کالمرحوم الحاج الشیخ محمد تقي آملي، و المرحوم الحاج الشیخ علي محمد بروجردي.
إن أهم مسألة في موضوعنا هو وجود سیاق أو تیار بین السلاسل العلمیة و الفقهیة و الحکمیة عندنا فی الحوزات العلمیة ــ هذا الصراط المستقیم ــ هو سیاق خواص الخواص، الذی یمکن أن یکون نموذجاً یحتذی من قبل الجمیع، من قبل علماء الدین ــ کبارهم و صغارهم ــ و من قبل عموم أفراد المجتمع، و قبل الشباب أیضاً. إنه الطریق الذي لا یرتکز علی الاکتفاء بالظواهر فقط، بل یعتمد أسلوب الوصول إلی المقامات العالیة بالجدّ و المجاهدة في طرق المعرفة و السلوك و التوحید. و المهم في هذا الأسلوب أیضاً هو عدم الاعتماد علی التسویلات و التشخیصات الذاتیة کما یفعل البعض من المتعیّشین علی التصوّف و العرفان، بل یستند إلی صرف أحکام الشریعة، و عن خبرة عالیة.
لقد کان جمیع أتباع هذة الطریقة التی ینتمي لها السید علي قاضي، و التی تبدأ بالمرحوم السید علي الشوشتری، مجتهدین من الطراز الأول. فالسید علي الشوشتري الذي تتلمذ علی ید الشیخ الأنصاري في الفقة و الأصول، و کان في الوقت نفسه أستاذ الشیخ الأنصاري في الأخلاق و السیر و السلوك - أي کان تلمیذ الشیخ الأنصاري فی الفقه و الأصول، و أستاذ الشیخ الأنصاري فی السلوك و الأخلاق، فکان الأنصاري یستفید منه في هذه المجالات - بقي حیاً بعد وفاة أستاذه الشیخ الأنصاري لمدة قلیلة بدأ فیها درس الشیخ من حیث انتهی. و یقول حضّار درس السید علي الشوشتري: لم نر فرقاً بین درسه و درس الشیخ. إلی هذة الدرجة بلغ مستواه العلمي و الفقهي. التلمیذ المهم الآخر للشیخ الأنصاري هو المرحوم الآخوند حسین قلي همداني، و الذي کان في القمّة من حیث العرفان و السلوك، فقد فاقت مکانته التوصیف، و کان من اللحاظ العلمي التقلیدي من خیرة تلامذة الشیخ الأنصاري في الفقة و الأصول، إلا أنه غلب علیة طابع العرفان و السلوك و التوحید، لأنه سار في هذا الطریق. تلامذة الشیخ الأنصاري، و هم أساتذة المرحوم السید القاضي، کالمرحوم الحاج السید أحمد کربلائي، و المرحوم الحاج الشیخ محمد بهاري، کانوا جمیعاً من حیث الفقاهة في المرتبة العلیا. فالمرحوم الحاج السید أحمد کربلائي کان في درجة بحیث أن المیرزا محمد تقي الشیرازي یرجع الناس في احتیاطاته إلیه، و کان في مستوی المرجعیة قطعاً، لکنه امتنع عنها و عاتب من أرجعوا احتیاطاتهم إلیه، و بقي هائماً في عوالم المعنویة. یقول المرحوم الجدّ السید هاشم نجف آبادي الذي کان قد عاصر السید أحمد الکربلائي و التقاه: عندما کنا في طریقنا من و إلی مسجد السهلة فی اللیالی و الأسحار، کنا نسمع صوت بکاء المرحوم السید أحمد یخرج من بیته الذي کان علی الطریق. هکذا کانت الحالات التي تعتریه.
حسناً.. المرحوم السید القاضي کان تلمیذاً لهؤلاء. بالطبع کان أیضاً تلمیذاً لوالده السید حسین، و بعد مجیئه إلی النجف صار تلمیذاً للمرحوم السید أحمد. و کان تلمیذاً للمرحوم السید مرتضی الکشمیري لمدة عشرة أو أحد عشر عاماً، لکن السید محمد حسن ابن المرحوم القاضي کتب في کتاب له یقول إنه لم یدرس عند السید مرتضی الکشمیري، لکنه استفاد من مجالسته و الحدیث معه، إلا أنه في هذا الکتاب أو کتاب آخر للسید محمد حسین طهراني ــ لا أتذکر علی وجه التحدید ــ یقول المرحوم القاضي: لقد تعلمت من المرحوم مرتضی الکشمیري کیف أصلي. لاحظوا کم هي عمیقة معاني هذه الکلمات. کلنا نصلي و نتصوّر أننا نصلي علی الوجه الأتم. لکن هذا العارف الکبیر الذي تربّی و تکامل طوال سنین في کنف والده في تبریز، حین انتقل إلی النجف لیبقی عشرة أعوام متتلمذاً علی ید السید الکشمیري، یقول إنی تعلمت الصلاة منه. هذا في حین ینقل تلامذة المرحوم المیرزا السید علي القاضي إنه رغم کثرة مشاکله المعیشیة و ثقل مسؤولیات عائلته الکبیرة و الفقر و الفاقة، مع ذلك کان إذا صلی یغفل عن الدنیا کلها، أي إنه لشدة خشوعه و توسله و ذکره في الصلاة ینقطع عن العالم. طیّب، هذه طریقة استثنائیة ممتازة تتمثل فی سیاق خواص الخواص، و هي حجة علینا جمیعاً کي نفهم أن هذا السیاق موجود، و هذه المقامات و المسیرة و السلوك و الإخلاص في سبیل الله حالات موجودة.
لم یکن من أهل إظهار المکاشفات علی الإطلاق. و لقد نُقل الکثیر عنه، و هي نقولات موثقة و کثیرة تعدّت الحالة و الحالتین في حیاته المملؤة بالعجائب، إلی درجة حصول الیقین بطرقها، إلا أنه لم یعطها أهمیة و دورآ في حیاته. و کان یقول لطلابه: إذا انتابتکم حالة من المکاشفة فلا تعتنوا بها.. اکملوا أعمالکم و أذکارکم و حافظوا علی خشوعکم. هذا هو مستوی هؤلاء. علی کل حال، لا بد من إحیاء ذکری مثل هذه الشخصیات، و معرفتها، و التعریف بها، و لکن بشرط أن یجري التعریف من قبل أهل الخبرة، فالذي یرید التعریف بهذة الشخصیات لا بدّ له أن یستطیع إیضاح مراتبهم المعنویة لنا، بالألفاظ و اللسان علی أقل التقادیر، و لا یکتفي في التعریف بالمقام العلمي و الفقهي - الذي کانوا یتمتعون به في أرقی مراتبه - فهذا لا یکفي لتعریف شخصیات من قبیل المرحوم السید علي القاضي.
و قد کان عمره طویلاً و الحمد لله، و کانت له الکثیر من التوفیقات و النجاحات، و خرّج الکثیر من الطلاب. کما کان من حیث معاني السلوك و العرفان و ما إلی ذلك من النوادر القلائل کما ذکرنا. عموماً کان بحق من الشخصیات المبرّزة. في الکتاب الذي کتبه ولده المرحوم السید محمد حسن، و الذي اطلعت علیه قبل سنوات، و راجعته مراراً، توجد مجموعة من رسائله. و ثمة فی هذا الکتاب حاشیة مختلطة بالمتن إلی درجة لا یمیّز معها المرء الحاشیة من المتن. إذا استطعتم الحصول علی نصوص هذه الکتابات، و هی موجودة بالتأکید لدی ورثة هذین المرحومین - ثمة أربع أو خمس رسائل، إحداها باحتمال قوي موجّهة للسید الطباطبائي، و هي بلا عنوان طبعاً لکن یمکن الحدس من نصّها أنها موجّهة للسید الطباطبائي. و إحداها موجّهة احتمالاً للسید محمد حسن إلهي، و رسالة أو رسالتان موجّهتان لصهره المرحوم الشیخ إبراهیم شریفي زابلي. و إحداها موجّهة لعموم تلامذته بمناسبة حلول شهر رجب أو شهر ذي القعدة، یقول فیها إن الشهر الحرام قد حلّ، و یتحدث عن أهمیة الأشهر الحرم، و ربما کانت بعض الرسائل الأخری لآخرین - و إذا نشرتم هذه الرسائل مستقلة، فاعتقد أن ذلك سیکون ذکری حسنة جداً. علی أي حال أتقدم لکم بالشکر، متمنیاً لکم أداء عملکم علی أفضل وجه إن شاء الله تعالی...