كلمة الإمام الخامنئي في لقائه عدداً من الشعراء
بسم الله الرحمن الرحيم
نرحب بجميع الشعراء المحترمين من الإخوة و الأخوات الأعزاء. ثمة بينكم رواد و أساتذة و شباب و براعم جديدة و الحمد لله. لكل منكم لطفه و لكل زهرة أريجها. أسفنا الوحيد هو أننا لا نستطيع الانتفاع من جميع هذه الزهور. الأصدقاء نظموا البرنامج و سيطلبون من البعض قراءة نتاجاتهم، و نحن بانتظار أن ننتفع و نستمع. وفقتم جميعاً إن شاء الله .. تفضل سيد قزوه...
* * * * *
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب مرة ثانية و أشكر الإخوة و الأخوات الأعزاء خصوصاً الأصدقاء الذين أتحفونا بأشعارهم. دققت هذه السنة أيضاً كما في السنة الماضية كي أقيس ارتفاع مستوى شعر الثورة و شعر هذا الجيل. و قد قلت في العام الماضي على ما أظن و أؤكد السنة أيضاً: إنني أرى بوضوح ارتفاع هذا المستوى و رقيه. أي إن شعر مجموعة شعراء الثورة سجّل نمواً مثيراً للإعجاب مقارنةً إلى ما كان عليه قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً. إنني معجب حقاً بأولئك الذين كانوا بالأمس شباب الثورة و فتيانها و قد بلغوا اليوم و الحمد لله سن الكهولة و لا زالوا يسيرون في هذا الصراط، و أيضاً بأولئك الشباب الذين دخلوا الساحة مؤخراً و أنا أسمع أشعارهم لتوّي و ربما دخلوا ساحة الشعر منذ سنوات لكنهم لم يكونوا سجلوا حضورهم في الصحافة و الكتب التي تصلني. معظم الأشعار التي قرئت هذه الليلة كانت جيدة بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي إن اللفظ كان جيداً و المعنى جيداً و الموسيقى و الإيقاع جيدين، و المفردات و اختيارها كان جيداً، و يلاحظ الإنسان فيها خيالاً واسعاً، لا سيما في أشعار الشباب. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. هذه كلها عناصر تدل على نمو و ترعرع غرسة الشعر في بلادنا.
إحدى النقاط هي أن الشعر في عهد الثورة - أي في هذه الأعوام الثلاثين - خرج و يخرج من الامتحان مرفوع الرأس. لم يلاحظ على شعرائنا المجيدين أي هبوط أو مراوحة.. إن الإنسان ليشعر بهذا. في الماضي و خلال العهود السابقة على الثورة شاهدنا شعراء - شعراء بعضهم معروف - بلغوا الذروة في فترة من حياتهم ثم هبطوا أو توقفوا أو سقطوا. حينما كنا ننظر لاحقاً كنا نلاحظ أن أشعارهم التالية ليس لها أية جاذبية. و أنظر الآن فأرى أن الحالة لم تكن على هذه الشاكلة بالنسبة لشعرائنا. في هذه الجلسة على سبيل المثال نلاحظ أن السيد فريد، و السيد أميري، و السيد ميرشكاك - هؤلاء الأصدقاء الذين نظموا أشعاراً جيدة في الماضي، و خصوصاً السيد فريد و أمثاله ممن أتذكرهم جيداً - قد واصلوا مسيرتهم نحو شعر أفضل بمعايير و موازين الشعر الجيد.. أي إنهم لم يراوحوا، و لم يتراجعوا من باب أولى. هذا شيء مهم.
أضف إلى ذلك أن لدينا نماءً جديداً و ولادات جديدة. هؤلاء الشباب الذين أراهم يدهشونني حقاً. الشعراء الشباب من بعض المحافظات و المدن ممن يحضرون هنا و يقرأون أشعارهم حينما أقارنهم بشعراء تلك المدن خلال فترة شبابي أرى أنهم أفضل من السابقين رغم أن السابقين كانوا معروفين مشهورين. لكنني حين أنظر أرى أن هؤلاء ينظمون شعراً أفضل من أولئك. و الآن في جلستنا هذه - و لا أريد ذكر الأسماء - قرئت قصيدة من إحدى المدن أنا على معرفة بالشعراء السابقين من تلك المدينة لأني كنت أتردد على الاتحاد الأدبي في تلك المدينة و أعرف شخصياتهم الشعرية الشهيرة. شعر السيد الذي قرأ شعره الليلة هنا أفضل من أشعار جميع الشعراء الذين عرفتهم هناك! إذن، هذا اختبار لشعر الثورة. سجل شعر الثورة مسيرةً مستمرةً نحو الأمام و الذرى.
و من النقاط الأخرى التي تلوح هنا هي أن شعر الثورة يجب أن يكون في خدمة مفاهيم الثورة. بينكم شعراء ينظمون شعراً دينياً.. قصائد دينية و ذات صلة بالأئمة (عليهم السلام) و حسب المصطلح الذي شاع نقول »شعراً دينياً«. و للإنصاف هناك أشعار جيدة نظمت في هذا المضمار. و بعض الأشعار تتعلق بالحرب و فترة الدفاع المقدس أو بالشهداء أو المعاقين و ما إلى ذلك. هذه ظاهرة جيدة جداً. لكنني أشرت العام الماضي أيضاً إلى أن أهداف الثورة و مبادئها ليست هذه. وضعت الثورة فوقنا مجموعة من النجوم المبدئية المتلألئة و دعتنا للحركة و العروج و القفز نحو هذه النقاط المضيئة. و قد دخلنا الاختبار و وجدنا أن بوسعنا الطيران و التحليق.. وجدنا أن هذا الطيران ممكن. طبعاً لوحظت النماذج البارزة لذلك في فترة الدفاع المقدس، و رأينا أن الشعب حينما ينشر جناحيه نحو هذه المبادئ سيكون بوسعه السير بصورة جيدة. لكن الكثير من هذه المبادئ لا تزال فوق رؤوسنا، و علينا الحركة و السير نحو العدالة، و نحو الأخلاق، و نحو الاستقلال بالمعنى الحقيقي للكلمة، بما يشمل الاستقلال الثقافي و هو الأعمق و الأصعب من كل صنوف الاستقلال. و يجب علينا السير نحو الاستعادة الحقيقية لهويتنا الإسلامية - الإيرانية.
في اختبارات من قبيل هذه الأحداث التي وقعت على هامش الانتخابات - بعد الانتخابات و قبلها - رأينا أن لدينا نقاط ضعف و مشكلات في هذه المجالات. هذه الأحداث نعمة كبيرة بالنسبة لنا من حيث أنها عرفتنا بنقاط ضعفنا. كالمناورات العسكرية التي تقوم بها القوات المسلحة. المناورات العسكرية هدفها أساساً هو أن تكتشف الوحدات العسكرية أو المنظومة العسكرية التي تقوم بها نقاط ضعفها. يعينون هدفاً و يصدرون أوامر للتحرك نحو ذلك الهدف. ثم تكون هناك أعين بصيرة مفتحة - هكذا هو الحال في كل المناورات - تقف و ترصد الساحة من فوق و ترى أنه توجد نقطة ضعف معينة في الموضع الفلاني أو أنه توجد أحياناً نقاط ضعف مزمنة. أصبح هذا الأمر بالنسبة لنا كالمناورات العسكرية. و هو لم يحدث باختيارنا طبعاً، إنما فرض علينا، لكنه كان حسناً إذ أدركنا من خلاله نقاط ضعفنا. إذن هذه المبادئ موجودة فوقنا و علينا السير نحوها، و عندئذ يمكن إزالة نقاط الضعف هذه.
حسناً، ما هو دور الشاعر هنا؟ الشخصيات الفنية و الشخصيات الثقافية من رجال و نساء، أي الإنسان الفني و الإنسان الثقافي ما هي وظيفته في هذه الساحة؟ اعتقد أن الواجب جسيم جداً، و كبير جداً. و الوظيفة الأهم هي التبليغ و التبيين؛ »الذين يبلّغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحداً إلا الله«(1) هذا أحد المعايير. أن تدركوا حقيقةً و تطرحوها على الناس. لا يتوقع منكم أحد أن يتحدثوا بخلاف ما تفهمون، لا، قولوا الشيء الذي تفهمونه. و طبعاً لا بد لكم من السعي و الجهاد لكي يكون ما تفهمونه صحيحاً و صواباً. لأن معرفة الساحة في الحوادث المشوبة بالفتن عملية صعبة. من الصعب في تلك الظروف معرفة عناصر القضية و معرفة المهاجم و المدافع و الظالم و المظلوم. من الصعب معرفة العدو و الصديق. إذا تقرر أن يُخدع الشاعر كما يُخدع الآخرون و يصاب بانعدام البصيرة فهذا أدنى بكثير من مرتبة الإنسان الفنان و الإنسان المثقف. إذن، ينبغي فهم الحقيقة، ثم يجب تبليغ هذه الحقيقة. لا يمكن التحرك في عالم الثقافة بالأساليب السياسية.. بأساليب السياسيين.. هذا خلاف منـزلة الثقافة. في عالم الثقافة ينبغي حل العقد و فتح الحقيقة و فتح العقد الذهنية. و هذا ما يحتاج إلى تبيين. إي إلى عمل الأنبياء. و لا بد في البيان من الفصاحة و البلاغة. و مع أنهم في الكتب التخصصية يذكرون البلاغة بمعنى التطابق مع مقتضى الحال، لكن ذلك معنى معين من البلاغة، و ليس المعنى الأولي و الصريح للبلاغة. البلاغة معناها الإيصال، و البلاغ هو الإيصال. حين يقال إن حافظ الشيرازي نظم هذا الشعر الفصيح البليغ.. فما معنى البليغ هنا؟ هل معناه أنه نظمه بما يتناسب و مقتضى الحال؟ و ما يدرينا هل كان شعره مناسباً لمقتضى حال في ذلك الحين أم لم يكن؟ إننا ننظر إليه الآن، و القضية ليست قضية مقتضى الحال. البلاغة تعني الإيصال، و البليغ هو الموصل، قولوا ما تقولون ببلاغة و إيصال و وضوح و بيان ساطع، و لكن قولوا الشيء الذي تفهمونه. ليس المتوقع أبداً - و ليس من الحق أن يتوقع أحد ذلك - أن يتحدث شخص بخلاف فهمه، و حاولوا أن يكون ما تفهمونه صحيحاً.
أقول لكم إن حركة الثورة الإسلامية هذه ليست حركة منتهية. في جانب معين من جوانب جيشها نتواجد و نرابط أنا و أنتم و نعدّ ذرةً منها بوصفنا أصحاب أدب و ثقافة. »و لله جنود السماوات و الأرض«،(2) جنود الله و جيشه لا يعرف أرضاً و لا سماءً.. »و كان الله عزيزاً حكيماً«،(3) الله عزيز.. و معنى العزيز هو الغالب الذي لا يغلب، أي الغني عن الجميع.. و أنا و أنتم نتولى اليوم جانباً بسيطاً من الأمر. الحركة العظيمة التي بدأت بالثورة الإسلامية، ليست حركة تنتهي.. إنها غير منتهية على الإطلاق.. بل هي حركة مستمرة. الشيء الذي صار من الدارج أن يقال في البيانات، و التلفزيون و الإعلام، و في المحاكم، و على ألسن الجميع حين يقولون: الحرب الناعمة، هذا شيء صحيح و واقع.. أي إنها الحرب الآن. إنني طبعاً لا أقول هذا اليوم، بل قلته دوماً من بعد الحرب أي منذ سنة 67. و السبب هو أني أرى الساحة، و ما أفعل لمن لا يراها؟! ماذا يفعل الإنسان؟! إنني أرى الساحة و أرى التحشيد و الاصطفافات و أرى الأفواه المفتوحة بحقد و غضب و الأضراس المصطكة من الغيظ ضد الثورة و الإمام و ضد كل هذه المبادئ و ضد كل المحبين لهذه الحركة. الإنسان يرى كل هذا، فما يفعل؟ إنه أمر لم ينته، و لأنه لم ينته تقع علينا جميعاً واجبات. و واجبات المنظومة الثقافية و الأدبية و الفنية معروفة: البلاغ و التبيين.. تكلموا، و تكلموا بصورة جيدة. إنني أشدد دوماً على أنه يجب أن تختاروا القالب بشكل جيد و عليكم الأتيان بالفن إلى الساحة بأبهى صوره.. ينبغي عدم التقصير، لكي يترك الفن تأثيره.
ترون أن الآخرين بما لديهم من أعمال فنية يروجون لأشياء باطلة. و العجيب أننا نوافق ذلك الكلام! هذا المسلسل الكوري الذي يبث الآن و الجميع يشاهدونه هو تلفيق تاريخي و أسطورة باطلة. و لو أراد المرء البحث في الشاهنامة و العثور على مثل هذه القصة لأمكنه العثور على عشر أو خمسة عشر من هذه القصص. غير أن ذلك الجانب أبدى فناً، و حين يعمل المرء بفن سيكون جزاؤه أن تجلسوا حضراتكم ممن ليس لكم أية رغبة في ذلك التاريخ و تلك الثقافة و تشاهدون العمل بكل رغبة و تستوعبون تلك الثقافة شئتهم أو أبيتم هذه هي خصوصية الفن الجيد.
الفن الجيد أمر ضروري.. و عملكم الفني يرتبط بالشعر. أتمنى أن تقرأوا إن شاء الله أعمال القدماء و آثار الأساتذة الكبار بصورة أفضل و بشكل أكثر، و لا تتوقفوا عندها. لا تغضوا الطرف عن حسناتهم إطلاقاً، و لا تقنعوا بما كسبتموه لحد الآن. أريد أن أقول إن الثناء الذي ذكرناه في البداية كله صحيح بيد أنه لا يعني أبداً أن أشعار شبابنا الأعزاء الطيبيين - التي يقرأونها علينا و تثير إعجابنا حقاً - خالية من العيوب و النواقص، لا، هذا الاجتماع ليس اجتماع نقد بالمعنى الصحيح للكلمة حتى يتربع الإنسان و ينقد و يشخّص عيارات النقد. و إلا لو كانت القضية قضية نقد و عيار فسوف تُسجل بعض المؤاخذات. عليكم تشخيص هذه الإشكالات و المؤاخذات بأنفسكم. إذا كانت لديكم اجتماعات خاصة بهذه المهمة - على شاكلة تلك الجمعيات التي كانت لنا قديماً في مشهد و كنا نرتادها و نشاهدها، و سمعنا أن نظيرها كان قائماً في طهران قليلاً أو كثيراً، و لكن ليس بشدة و متانة ما كان في مشهد.. أنا طبعاً لم أشارك في جلسات طهران و لم أرها، لكن جلسات مشهد كانت جيدة جداً و ينقدون الشعر فيها بدقة - فهو الأفضل طبعاً.. هذا حسن جداً. انقدوا الشعر في تلك الاجتماعات بنحو تفصيلي كامل. و إن لم تكن هناك مثل هذه الجلسات انظروا أنتم أنفسكم و دققوا، و فكروا، و تمعنوا في أشعاركم بنظرة ناقدة تتسقط العيوب لتستكملوا هذه المسألة إن شاء الله. اعتقد أن هذا ممكن. الاستئناس بشعر الأساتذة من شأنه تمكين الإنسان أكثر من تشخيص بعض عيوب شعره.
نتمنى أن يوفقكم الله، و لا أدري متى سنوفق و إلى كم سنة قادمة سيتاح لنا الاجتماع في هذه الليلة المباركة بهذه الجماعة من الشعراء.. قد تكون هذه المرة الأخيرة، و قد تكون هناك مرات لاحقة....(4) طبعاً لم نشاهد إقامة جلسة بهذا الشكل.. في ذكرى ولادة النبي الأكرم يقيم الإخوة السنة جلسات قراءة شعر و ضرب دفوف، هذا ما شاهدناه. على كل حال إذا أراد السادة التفضل بالمجيء ثلاثمائة و ستين يوماً في السنة بشرط أن لا يأخذوا وقتنا فلا مانع من ذلك! وفقكم الله، و سنرى و ننظر في هذا الاقتراح و نتمنى أن يحصل الخير و الصلاح. وفقكم الله و أيدكم جميعاً إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1 - سورة الأحزاب، الآية 39.
2 - سورة الفتح، الآية 7.
3 - سورة الفتح، الآية 7.
4 - اقترح أحد الحضور في هذا الخصوص عقد جلسة للشعراء غير هذه الجسلة مرةً كل عام و في أحد أعياد المبعث أو ميلاد الرسول الأكرم (ص) بحضور السيد قائد الثورة الإسلامية.